THE ISSAM FARES INSTITUTE FOR PUBLIC POLICY AND INTERNATIONAL AFFAIRS
أقام معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، بالتعاون مع كل من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى (إيفبو)، والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية، وجامعة "سواس" في لندن، ومركز البحر المتوسط لعلم الاجتماع والعلوم السياسية والتاريخ (MESOPOLHIS) جلسة حواريّة يوم الخميس 19 حزيران ٢٠٢٥ بعنوان "بعد خمسين سنة: ماذا ورثنا من حرب لبنان؟"، جمعت أستاذة علم الإجتماع السياسي ورئيسة تحرير السفير العربي نهلة الشهّال، ونقيب المهندسين السابق والرئيس الفخري لجمعية "إيكوموس لبنان" جاد تابت. جاءت هذه الجلسة، التي أدارها مدير المعهد جوزيف باحوط، كخاتمة لورشة عمل ونقاشات مغلقة استمرت ليومين في المعهد في بيروت. والذي افتتحها بكلمة "تفكر وتذكر"، طارحاً أسئلة الجلسة المحورية: كيف نقرأ الحرب الأهلية اللبنانية بعد خمسين عاماً على بدايتها؟ وما هي الرؤية العامة والبحثية عن هذه الحرب؟ هل نستطيع أن نقول إن الحرب قد انتهت؟ وما هي الدروس التي تعلمناها من الحرب كمواطنين وأكاديميين؟
بدورها، استهلت نهلة الشهال مداخلتها بتساؤلين أساسيين: لماذا تحدث الحروب الأهلية في أماكن محددة ولا تحدث في أماكن أخرى رغم وجود خلافات تجعل منها مستعدة لمثل هذه الحروب؟ ولماذا لم تنته الحرب الأهلية اللبنانية؟ في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، شدّدت الشهال على أنه ليس للحروب الأهلية سبب داخلي محض، وذكرت عام 1958 حيث تلاقت عدّة أحداث إقليمية كبيرة مثل حلف بغداد ورغبة رئيس الجمهورية الراحل كميل شمعون الإنضمام إليه، بالإضافة إلى الوحدة المصرية-السورية، والثورة العراقية عام 1958 ما أدّى إلى موجة قتال في لبنان استمرت 6 أشهر. بالرغم من فترات العصر الذهبي القصيرة في لبنان، إلا أن البلاد كانت، ولا تزال، كما تقول الشهال، على "كف عفريت" والسبب أن لبنان قد نشأ على بنية معينة تخيلها الإنتداب الفرنسي ثم جسّدها الميثاق الوطني عام 1943. هذه البنية تخدم الدور الذي خُلق للبنان وهو أن يكون وسيط مالي، ومصرفي، وتجاري، وسياحي بين القارة الأوروبية والداخل العربي. هذا يبرر الركيزتين التي قام عليهما البلد: المرفأ والمصرف. بعد الأزمة الإقتصادية 2019 وانفجار المرفأ 2020، إنهارت هاتين الركيزتين. ركزت الشهال على فكرة أن الصيغة اللبنانية أنتهت من دون أن يكون هناك أية صيغة بديلة عنها. للذلك من الضروري العمل على بلورة دور جديد للبنان يقوم على "أساس التوافق الوطني المبنيّ على تسويات وليس على صفقات". بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يحافظ على أرث لبنان الثقافي والتعليمي لأن من أخطر ما يصيب الوطن هو تدمير التعليم. في المقابل قدّم جاد تابت قراءة تنطلق من السياسات الإعمارية، حيث رأى أن هناك توجهاً واحداً حكم السياسات الإعمارية بعد الحرب الأهلية اللبنانية. وهذا يدل على إستمرار المنطق الذي ساد منذ الحرب والذي لا يزال يحكم التوجهات الإقتصادية والإجتماعية ويشير إلى أنَّ الحرب لم تنتهِ. بالنسبة إلى تابت لا وجود للإستثناء اللبناني، بل على العكس، إن التحولات التي جرت في لبنان هي جزء من التحولات العالمية التي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي. كما إستعرض تابت قراءته عبر خمسة مفاصل أساسية في تاريخ السياسات الإعمارية في لبنان. المفصل الأول هو مشروع إعادة الإعمار الذي طرحته بلدية بيروت بالتعاون مع بلدية باريس بعد حرب السنتين عام 1977 تحت شعار "يجب ألا نزيد على خراب الحرب خراب الإعمار"، من هنا فإنَّ غاية الخطة الإعمارية لم تكن محو الماضي بل ترميمه. كذلك أدّى إستمرار العنف والاقتتال إلى إفشال هذه الخطة. المفصل الثاني كان مع المشروع الذي طُرح في عهد أمين الجميل وأصبح، كما يشرح تابت، نموذجًا للمشاريع التي ستحدث فيما بعد. أجاز هذا المشروع لشركة خاصة الحق في ردم البحر والإستثمار على أن تُعطى الدولة حصّة معينة. المشروع الثالث الذي شكل مفصلًا محوريًا في تاريخ السياسات العمرانية في لبنان هو السوليدير. إنطلق هذا المشروع من منطق يناقض تمامًا التوجه الذي نادى به مشروع ال1977. يفسّر تابت بأن هذا المشروع ولد في سياقات أوهام إتفاق أوسلو والسلام في المنطقة وإستعادة لبنان لدوره. من أجل تحقيقه، أنشأت شركة عقارية خاصة لإعادة إعمار وسط المدينة. تطرق تابت سريعًا إلى المشاريع الأخرى التي طُرحت ولم تُطبق كمشروع لينور في المتن وأليسار في الضاحية الجنوبية، وشرح كيف أخذت المشاريع العمرانية طابعًا طائفيًا. المفصل الرابع الذي عرضه تابت كان مع تجربة "وعد" التي طرحت نفسها كنقيض لسوليدير إذ إنها أرادت أن تُعيد الناس إلى منازلهم، ونجحت في ذلك، بحسب تعبير تابت. إلّا أنها أعادت خلق المخالفات العمرانية القديمة. المفارقة التي يشدد تابت عليها هي في أن هذا المشروح، تمامًا مثل مشروع سوليدير، يغيّب دور الدولة. يقول تابت "أن السياسات العمرانية النيوليبرالية من ناحية والمقاومة من ناحية أخرى تتشاركان في إقصاء الدولة وفي عزل المنطقة". المفصل الخامس للسياسات العمرانية حدث بعد إنفجار مرفأ بيروت عام 2020 حيث تمت إعادة الإعمار في ظل غياب الدولة، والمصارف، والمال وذلك عبر مشاريع المنظمات غير الحكومية والعمل التطوعي. ما يلاحظه تابت أن الثابت في كل تلك المفاصل هو تغييب دور المؤسسات العامة. وختم تابت مداخلته بإستعراض الوضع في الجنوب اللبناني بعد الحرب الأخيرة متسائلاً عن كيفية إعادة إعمار القرى الجنوبية المهدّمة. في محاولة للجواب على تساؤله، يقول تابت بأننا "يجب أن نعمل من خلال مؤسسات الدولة التي ما تزل موجودة كمديرية المباني ومديرية الآثار ومديرية الإسكان. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نرتكز على رساميل الإغتراب و أن نضع خططاً تشاركية تجمع الناس والبلديات والسلطات المحلية". Comments are closed.
|
Archives
July 2025
|